لقمان الحكيم يُعتبر أحد الشخصيات التاريخية التي ارتبطت بالحكمة والوعي، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم بسورة كاملة تحمل اسمه، وهي سورة “لقمان”. يُذكر أن لقمان كان عبدًا حبشيًا أو نوبيًا، وعُرف بحكمته التي كانت تُضرب بها الأمثال. وقام بتقديم العديد من النصائح والوصايا القيمة لابنه، والتي احتوت على أسس الدين والأخلاق والقيم المجتمعية الرفيعة، ويمكن استخلاصها من القرآن الكريم والسنة.
أهم وصايا لقمان لابنه:
1. التوحيد والابتعاد عن الشرك
قال تعالى في القرآن الكريم على لسان لقمان:
“يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” (لقمان: 13).
كانت أولى وصايا لقمان هي الدعوة إلى توحيد الله والتحذير من الشرك، لأنه يُعتبر من أعظم الذنوب والظلم الذي يمكن أن يرتكبه الإنسان، ويظهر في هذا الحرص على تربية ابنه على العقيدة السليمة والإيمان الصادق.
2. بر الوالدين
وصّى لقمان ابنه بأهمية بر الوالدين، حيث قال الله في القرآن بعد وصية التوحيد:
“وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ” (لقمان: 14).
تلك الوصية تأتي بعد التوحيد مباشرة، لتعبر عن أهمية معاملة الوالدين بالحسنى، والصبر على ما قد يصدر منهما، والعناية بهما، خصوصًا في كبرهما.
3. الاستقامة ومراقبة الله
حذر لقمان ابنه من الاستهانة بأي عمل، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، لأن الله مطلع على كل شيء، حيث قال تعالى على لسانه:
“يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ” (لقمان: 16).
تُظهر هذه الوصية أهمية مراقبة الله في السر والعلن، والاستقامة في الأقوال والأفعال.
4. إقامة الصلاة
نصح لقمان ابنه بالالتزام بالصلاة وإقامتها في وقتها، حيث قال الله:
“يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ” (لقمان: 17).
فالصلاة هي عماد الدين وأحد أركانه، وتُعتبر رابطًا قويًا بين العبد وربه، وهي سبيل الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
5. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من وصايا لقمان المهمة أيضًا الدعوة إلى فعل الخير ونصح الآخرين بذلك، والابتعاد عن السلوكيات السيئة وتحذير الناس منها:
“وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ” (لقمان: 17).
هذا يدل على أهمية تحمل المسؤولية الاجتماعية والإسهام في صلاح المجتمع.
6. الصبر على الشدائد
أوصى لقمان ابنه بالصبر على ما قد يواجهه من تحديات أو أذى:
“وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” (لقمان: 17).
الصبر هو فضيلة عظيمة يحتاجها الإنسان لتحمل الشدائد والمواقف الصعبة، وهو من عزم الأمور الذي يُظهر القوة الداخلية والإيمان الراسخ.
7. التواضع وعدم التكبر
حذر لقمان ابنه من الغرور والتكبر على الآخرين، حيث قال الله:
“وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ” (لقمان: 18).
يحث هذا التوجيه على التواضع والبعد عن التكبر والتفاخر بما يمتلكه الإنسان، لأن الله يحب المتواضعين الذين يعرفون حدودهم.
8. الاعتدال في المشي وخفض الصوت
نصح لقمان ابنه بالاعتدال في تصرفاته، حتى في مشيته وصوته، حيث قال:
“وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ” (لقمان: 19).
هذه الوصية تدعو إلى الاعتدال في كل شيء، وعدم المبالغة في إظهار الذات، لأن الهدوء في التصرفات والأقوال يعكس حكمة الشخص واتزانه.
وصايا لقمان لابنه تحمل الكثير من الدروس التي يمكن للإنسان أن يستفيد منها في حياته اليومية، فهي تجمع بين التوجيه الديني، الأخلاقي، والاجتماعي، وهي تتسم بالوضوح والحكمة والبساطة في التعبير، مما يجعلها قابلة للتطبيق في جميع الأزمنة والعصور. من خلال التمسك بهذه الوصايا، يمكن للإنسان أن يعيش حياة متوازنة تُرضي الله وتحقق له السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.
كتبه الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي