نشأت فكرة إدارة الجودة الشاملة (Total Quality Management – TQM) في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً مع تطور الصناعة اليابانية. في البداية، كانت الجودة تُعتبر مسؤولية قسم معين في المؤسسات، لكن مع الوقت وتطور مفهوم الجودة، بدأ يُنظر إليها كنهج شامل يسهم في تحسين الأداء والفعالية على مستوى المؤسسة ككل. في السبعينيات والثمانينيات، اكتسبت الجودة الشاملة شعبية كبيرة، حيث أصبحت جزءاً أساسياً من ثقافة العديد من المؤسسات الكبرى حول العالم، واعتبرت جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات النجاح المستدامة.
تعريف إدارة الجودة الشاملة وأهدافها الأساسية
تُعرف إدارة الجودة الشاملة بأنها منهجية إدارية تركز على تحسين جودة الإنتاج والخدمات عن طريق إشراك جميع أعضاء المؤسسة في عملية التحسين المستمر. تهدف إلى تحقيق رضا العملاء من خلال تقليل الأخطاء وتحسين العمليات وتقليل التكاليف. يمكن تلخيص أهدافها فيما يلي:
1. تحسين جودة المنتج أو الخدمة المقدمة.
2. تحقيق رضا العملاء بشكل مستدام.
3. تعزيز الكفاءة الإنتاجية وتقليل الفاقد.
4. تحسين بيئة العمل وتعزيز الشعور بالمسؤولية لدى العاملين.
تطبيقات إدارة الجودة الشاملة وأمثلتها
تُطبق إدارة الجودة الشاملة في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم، والرعاية الصحية، والصناعة، والقطاع الخدمي. على سبيل المثال:
• التعليم: تطبق إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التعليمية لتحسين جودة المناهج وأداء المعلمين، وضمان تقديم تجربة تعليمية متميزة للطلاب.
• الرعاية الصحية: تُستخدم في المستشفيات لتحسين جودة الرعاية الصحية، وتقليل الأخطاء الطبية، وتحسين رضا المرضى.
• الصناعة: تسهم الجودة الشاملة في تقليل العيوب في عمليات الإنتاج، وزيادة كفاءة العمليات، وتحقيق معايير الجودة العالية.
• القطاع الخدمي: تساعد إدارة الجودة الشاملة في تحسين تجربة العملاء في القطاعات المصرفية والضيافة والتجزئة، عن طريق تحسين الخدمة المقدمة وتحقيق رضا العميل.
أساليب إدارة الجودة الشاملة وطرق تطبيقها
تتعدد الأساليب التي تُستخدم لتطبيق إدارة الجودة الشاملة، ومن أبرزها:
1. مخطط “PDCA”: المعروف بمخطط “خطط – نفذ – تحقق – حسن”، وهو أسلوب للتحسين المستمر يركز على تطبيق التغييرات وتقييمها وتحسينها بمرور الوقت.
2. ستة سيغما (Six Sigma): تهدف إلى تقليل العيوب والأخطاء في العمليات إلى حدها الأدنى من خلال تطبيق منهجيات تحليلية دقيقة.
3. نظام الجودة القياسية (ISO): نظام قياسي للجودة يضمن استيفاء المنتجات والخدمات للمعايير العالمية.
4. أسلوب “كايرتسو”: يشجع المؤسسات على التعاون مع الموردين والشركاء لتحقيق التحسين الشامل في الجودة.
مجالات إدارة الجودة الشاملة وتأثيرها العميق
تشمل مجالات إدارة الجودة الشاملة العديد من القطاعات:
• الإنتاج والتصنيع: حيث تساعد في تقليل العيوب، وتحسين الكفاءة التشغيلية.
• التطوير المؤسسي: تسهم في تحسين الأداء العام للمؤسسة وتسهيل عملية اتخاذ القرارات.
• إدارة المخاطر: تساعد على تقليل المخاطر التشغيلية من خلال اعتماد معايير للجودة.
أهمية إدارة الجودة الشاملة وعمقها في تحسين الأداء المؤسسي
تساهم إدارة الجودة الشاملة في تحقيق التميز المؤسسي عبر تحسين الأداء في كل مستوى من مستويات المؤسسة. بفضل هذا النهج، تتمكن المؤسسات من تقديم قيمة مضافة للعملاء، وتحقيق ميزات تنافسية تجعلها تتفوق في السوق. كما تساعد إدارة الجودة الشاملة في تعزيز ثقافة التحسين المستمر داخل المؤسسة، مما يشجع العاملين على تبني روح المبادرة والعمل الجماعي لتحقيق الأهداف المشتركة.
مقترحات لتحسين إدارة الجودة الشاملة
1. التدريب المستمر: يُعد تدريب الموظفين على مفاهيم الجودة الشاملة أمراً ضرورياً لتعزيز فهمهم لأهداف المؤسسة وتحقيقهم للمعايير المطلوبة.
2. تحليل البيانات: يمكن للمؤسسات استخدام تحليل البيانات لتحديد الأخطاء والفرص المتاحة للتحسين.
3. إشراك جميع المستويات: من الضروري أن تشارك كل الإدارات والمستويات في عملية تحسين الجودة لتحقيق نتائج ملموسة.
أساليب لتحقيق التميز في إدارة الجودة الشاملة
• استخدام التكنولوجيا: استخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة لتبسيط وتحليل البيانات، وتحديد الأنماط الخفية.
• التعاون مع الموردين والشركاء: تعزيز التعاون بين المؤسسة ومورديها لضمان توفير المواد ذات الجودة العالية ودعم التحسين المستمر.
• التركيز على رضا العملاء: وضع احتياجات العملاء في أولويات عمليات التحسين المستمر.
إدارة الجودة الشاملة هي أكثر من مجرد مفهوم أو استراتيجية؛ إنها ثقافة متكاملة تهدف إلى تحسين العمليات وتحقيق التميز المؤسسي المستدام. بفضل النهج الشامل، تصبح المؤسسات قادرة على مواجهة التحديات، وتقديم منتجات وخدمات متميزة تلبي توقعات العملاء وتعزز ولاءهم. إن إدارة الجودة الشاملة تظل محوراً أساسياً لأي مؤسسة تطمح إلى تحقيق النجاح والنمو المستدام في بيئة تنافسية متزايدة.
نسقه واعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي