مقالات وقضايا

فضل إنظار المعسر والصبر عليه

في عالمنا الذي يعج بالتحديات المالية والاقتصادية، قد يتعرض العديد من الناس لضائقات مالية تجعلهم غير قادرين على سداد ديونهم أو التزاماتهم في الوقت المحدد. وفي مثل هذه الحالات، يظهر مفهوم إنظار المعسر والصبر عليه كقيمة أخلاقية ودينية عظيمة، إذ يشجع الإسلام على مراعاة أحوال الناس، والتخفيف عنهم في أوقات العسر، والرحمة بهم حتى تتيسر أمورهم. إن إنظار المعسر والصبر عليه لا يقتصر فقط على تقديم المساعدة المالية، بل يمتد ليشمل المواقف الإنسانية التي تُظهر التعاطف والرفق مع الآخرين.

معنى إنظار المعسر

إنظار المعسر يعني إعطاء من تعسر عليه سداد الدين أو الالتزام المالي فترة سماح إضافية حتى تتحسن أوضاعه ويصبح قادرًا على الوفاء بما عليه من التزامات. يتجاوز هذا المعنى مجرد تأجيل السداد، ليعبر عن روح التضامن والتعاطف مع من يمرون بضائقة مالية، وفهم وضعهم المادي دون الضغط عليهم أو تحميلهم ما لا يطيقون.

فضل إنظار المعسر في الإسلام

لقد أولى الإسلام عناية خاصة بالمعسرين، وحث على إنظارهم والتخفيف عنهم، وأشاد الله في كتابه الكريم بهذا الفعل العظيم، إذ قال في القرآن الكريم: “وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” (البقرة: 280). فهذا التوجيه الإلهي يوضح أهمية الصبر على المعسر، ودعوته للميسورين إلى إمهالهم حتى تتحسن ظروفهم المالية.

كما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بيّن في أحاديثه الشريفة فضل إنظار المعسر، إذ قال عليه الصلاة والسلام: “مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ” (صحيح مسلم). فالنصوص النبوية تدعو بوضوح إلى الوقوف بجانب المعسر، واحتساب الأجر من الله تعالى على ذلك، موضحة أن هذا العمل يؤجر عليه المسلم في الدنيا والآخرة.

فوائد إنظار المعسر

1. نشر الرحمة والمحبة بين الناس:

إن إنظار المعسر يظهر تعاطف الإنسان مع أخيه الإنسان، ويزيد من المحبة والرحمة في المجتمع. هذا الفعل يساهم في نشر قيم التسامح والتكاتف، ويجعل الجميع يشعرون بأنهم جزء من مجتمع مترابط.

2. التقرب إلى الله ونيل رضاه:

عندما ينظر الميسور للمعسر ويساعده على تخطي أزمته المالية، فإن هذا العمل يُعد عبادة عظيمة تقربه إلى الله وتفتح له أبواب الرزق والبركة. إن إنظار المعسر من الأعمال التي تُؤكد على تعاليم الإسلام في التسامح والتيسير.

3. تحقيق الاستقرار الاجتماعي:

إن مساعدة الأشخاص الذين يمرون بأزمات مالية وتخفيف أعبائهم يسهم في تحقيق التوازن والاستقرار الاجتماعي. وهذا يقلل من الضغط النفسي والمادي على المعسرين، ويعزز من قدرتهم على العودة للحياة الاقتصادية بشكل أفضل.

4. تحسين العلاقات الإنسانية:

الصبر على المعسرين يخلق نوعًا من الثقة والاحترام بين الناس. فعندما يعلم الشخص أنه لن يُضغط عليه بشكل قاسٍ في أوقات ضيقته المالية، سيشعر بالأمان والراحة النفسية، ما يعزز من جودة العلاقات الإنسانية.

5. تشجيع التعاون والتكافل في المجتمع:

إن الوقوف بجانب المعسرين يعزز من قيم التكافل والتعاون، حيث يُدرك كل فرد أن عليه دورًا إيجابيًا تجاه مجتمعه، وأن الجميع يدًا واحدة في مواجهة الأزمات.

كيف يمكن إنظار المعسر؟

1. تقديم فترة سماح إضافية:

إذا كان الشخص المعسر غير قادر على السداد، يمكن أن يقدم له الدائن فترة سماح إضافية دون فرض فوائد أو غرامات، مما يمنح المعسر الوقت الكافي لتصحيح وضعه المالي.

2. إسقاط جزء من الدين:

في بعض الحالات، يمكن أن يتجاوز الدائن عن جزء من الدين كنوع من المساعدة أو التضامن، خاصة إذا كانت الظروف المادية للمعسر صعبة جدًا.

3. تقديم المساعدة المالية أو الاستشارة:

قد يحتاج المعسر إلى نصيحة مالية أو توجيه لمساعدته في إدارة أموره المالية بشكل أفضل. يمكن أن يقدم الدائن له المشورة أو المساعدة التي تعينه على تحسين وضعه المالي.

إن إنظار المعسر والصبر عليه من القيم الإنسانية النبيلة التي يعززها الدين الإسلامي، وتظهر معنى الرحمة والتكافل بين أفراد المجتمع. وبإمهال من تعثر في سداد ديونه أو التزاماته، فإننا نُسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وننشر روح المحبة والتعاون بين الناس. إن هذا الفعل ليس مجرد التزام مالي، بل هو واجب إنساني يعكس مدى الترابط والتعاطف بين أفراد المجتمع، ويعد فرصة للحصول على أجر عظيم في الدنيا والآخرة.

كتبه الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي

اترك رد

WhatsApp chat