تعاهد الصدقة، ممارسة عظيمة تمثل وجهًا من وجوه الرحمة والتكافل في المجتمع الإسلامي، وفضيلة لها أصول راسخة في الشريعة الإسلامية والتاريخ. إن الصدقة ليست مجرد إغاثة للمحتاجين، بل هي سلوك يقوم على إيمان عميق بأن الرزق بيد الله، وأن من يعطي لغيره، فإنما يعطي لنفسه ولآخرته. وقد نص القرآن والسنة على فضل الصدقة ودورها في تطهير المال والنفس، كما زخرت أقوال العلماء على مر العصور ببيان مكانتها وأثرها العظيم في الدنيا والآخرة.
معنى تعاهد الصدقة
تعاهد الصدقة هو الالتزام بإعطاء المال أو الطعام أو أي مساعدة للمحتاجين بشكل دوري ومستمر، سواء كان يوميًا، أسبوعيًا، أو شهريًا. يتجاوز مفهوم الصدقة بذلك المساعدة الموسمية أو التبرعات الاستثنائية، ليصبح عادة وطقسًا روحانيًا يجدد فيه المسلم صلته بالخالق والخلق. وهي تجسيد لقوله تعالى: “وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ” (الأنعام: 141)، إذ تشير الآية إلى ضرورة العناية بتوزيع الحقوق بشكل دائم ومتعاهد.
فضل تعاهد الصدقة في الإسلام
للتعاهد على الصدقة فضائل لا تحصى، فقد جاء في الحديث: “ما نقص مال من صدقة” (رواه مسلم)، مما يؤكد أن الإنفاق في سبيل الله لا ينقص المال بل يزكيه ويباركه. كما أن الصدقة تدفع البلاء وتُطفئ غضب الله كما ورد في الأثر، فهي درع منيع يحمي المسلم من المكاره وسبب لجلب الخيرات. وقد أكد النبي ﷺ على أهمية الاستمرار في فعل الخير قائلاً: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل” (رواه البخاري)، مما يعزز فكرة التعاهد على الصدقة ودوامها كسبيل للتقرب إلى الله.
أقوال العلماء في فضل الصدقة
تواترت أقوال العلماء على مر العصور حول عظمة الصدقة وأثرها الإيجابي. قال الإمام النووي: “الصدقة هي علامة على صدق الإيمان، فهي دليل على سخاء النفس وثقة المؤمن برزق الله”. أما ابن تيمية فقال: “الصدقة دواء لكل داء روحي وقلبي، تجلب الرزق وتدفع الكدر والهم”. كذلك، أوصى الإمام الشافعي بالتعاهد على الصدقة، واعتبرها وسيلة لتطهير المال والروح. وذهب ابن القيم إلى أن الصدقة تمثل روح العبادة لأنها دليل على المحبة لله وإيثار الآخرين على النفس.
أهمية تعاهد الصدقة في المجتمع
تعاهد الصدقة يشكل عاملًا رئيسيًا في تقوية البنية الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية. إن توفير احتياجات الفقراء والمساكين بشكل مستمر يمنع الفقر المدقع، ويعزز من شعور الانتماء والتضامن بين أفراد المجتمع. وقد شهد التاريخ الإسلامي منذ عهد النبي ﷺ وأصحابه – رضوان الله عليهم – صورًا مشرقة عن أهمية التكافل، حيث كان الأغنياء يتعاهدون الفقراء ويتفقدون أحوالهم باستمرار. وقد ظهر هذا الأمر بشكل جلي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي كان يحرص على توزيع الصدقات بنفسه، مما ساهم في توازن المجتمع وأمنه.
طرق تعاهد الصدقة وأمثلته
تتعدد طرق تعاهد الصدقة، فمن الناس من يعهد إلى تقديم وجبة طعام يومية للمحتاجين، ومنهم من يخصص جزءًا من دخله الشهري لصالح الأسر المتعففة أو الجمعيات الخيرية، وهناك من يقوم بحفر الآبار أو بناء المساجد لتكون صدقة جارية. في العصر الحديث، ازدادت وسائل التعاهد على الصدقة مع ظهور منصات إلكترونية لتسهيل التبرعات المنتظمة للمشاريع الخيرية. وقد أطلق بعض المسلمين حملات للتبرع الشهري لصالح المرضى والفقراء، وهي طريقة حديثة لتحقيق تعاهد الصدقة.
قصص حقيقية عن تعاهد الصدقة عبر التاريخ
من أشهر قصص تعاهد الصدقة هي قصة الصحابي الجليل عثمان بن عفان – رضي الله عنه – الذي اشترى بئر رومة في المدينة المنورة وجعلها وقفًا للمسلمين، فكانت تروي حاجتهم للماء. ويعد هذا العمل أحد أهم صور تعاهد الصدقة، إذ ظل عثمان يخصص أمواله لخدمة المحتاجين بشكل دائم. كذلك، ذكر عن السيدة فاطمة الزهراء – رضي الله عنها – أنها كانت تتعاهد الفقراء، وتطعمهم حتى وإن كان ذلك على حساب حاجتها، مفضلة رضا الله على راحة نفسها.
وفي العصر الحديث، يُروى عن أحد كبار التجار في بلاد الخليج، أنه كان يخصص من ماله نصيبًا يوميًا للفقراء، لدرجة أنه أصبح يوزع مئات الوجبات اليومية على المحتاجين، حتى استمر على ذلك لسنوات طويلة، ووجد البركة في حياته وماله، مما جعله قدوة حسنة للمسلمين في تعاهد الصدقة.
تعاهد الصدقة ليس مجرد عمل خير عابر، بل هو وسيلة لتحقيق طهارة النفس والمجتمع معًا. عبر التاريخ الإسلامي، جسّد المسلمون معنى التعاهد على العطاء المستمر، فأضحوا قدوة للمجتمعات الأخرى في التكافل والتراحم. إنَّ الالتزام بتعاهد الصدقة يؤكد استمرارية الخير ويديم الرحمة في المجتمع، ويُعدُّ وسيلة لتحقيق الأمن الروحي والنفسي والمادي. إن كنت تبحث عن طريق للتقرب إلى الله، فجعل التعاهد على الصدقة في حياتك أسلوبًا ومنهجًا سيضمن لك البركة والسعادة في الدنيا، والفوز برضا الله في الآخرة.
نسقه واعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي