الوصية الشرعية تُعد من الأحكام الإسلامية التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحفظ الحقوق بعد وفاة الإنسان. تعد الوصية وسيلة للتعبير عن إرادة الموصي فيما يتعلق بأمواله وحقوقه بطريقة تضمن الخير لأهله ومجتمعه. إضافة إلى التعريف بأهميتها وأحكامها، نسلط الضوء هنا على أفضل وقت لكتابتها، مقدارها، نموذج تطبيقي للوصية، وأفضل طرق توثيقها.
أفضل وقت لكتابة الوصية الشرعية
حثّ الإسلام المسلم على المبادرة بكتابة وصيته دون تأخير، خاصة إذا كان لديه حقوق أو أموال أو ديون تحتاج إلى توضيح. ورد في الحديث الشريف:
“ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده” (رواه البخاري ومسلم).
أفضل وقت لكتابة الوصية يكون في حال الصحة والعافية، مع مراجعتها بشكل دوري عند حدوث تغييرات في الظروف المالية أو الاجتماعية، مثل زيادة الدخل، ولادة أبناء جدد، أو وفاة أحد الورثة. كما يُفضل تحديث الوصية قبل السفر أو القيام بأعمال خطرة، لضمان الترتيب المناسب للحقوق.
مقدار الوصية الشرعية
حدد الإسلام مقدار الوصية بألا تتجاوز ثلث التركة، وذلك استنادًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص:
“الثلث والثلث كثير” (رواه البخاري ومسلم).
ويُشترط أن تكون الوصية من المال المتبقي بعد تسديد الديون، وأداء الحقوق الأخرى كالكفارات أو الأمانات. يُفضل أن تكون الوصية متوازنة بحيث لا تُحرم الورثة من حقوقهم في الميراث، مع تخصيص جزء للأعمال الخيرية أو المحتاجين.
نموذج لوصية شرعية
فيما يلي نموذج مبسط لوصية شرعية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أنا الموصي: (الاسم الكامل)،
رقم الهوية: (رقم الهوية/الإقامة)،
أُقر وأنا بكامل قواي العقلية والجسدية، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
أوصي بما يلي:
1. الديون والأمانات:
أوصي بأن تُسدد جميع ديوني من تركتي، كما أطلب رد الأمانات إلى أصحابها.
2. الوصية المالية:
أخصص مبلغًا قدره (المبلغ) من تركتي للأعمال الخيرية التالية: (ذكر التفاصيل، مثل بناء مسجد، دعم الأيتام، إلخ).
3. وصايا شخصية:
أوصي أهلي وأبنائي بتقوى الله، وحسن معاملة بعضهم البعض، والحرص على أداء العبادات.
4. تنفيذ الوصية:
أوصي بأن يتولى تنفيذ وصيتي (اسم الشخص)، على أن يُراعى فيها الضوابط الشرعية.
أشهد على وصيتي هذه:
الشاهد الأول: (الاسم والتوقيع).
الشاهد الثاني: (الاسم والتوقيع).
كتبت في يوم: (التاريخ).
كيفية توثيق الوصية الشرعية
1. كتابة الوصية بوضوح:
يجب أن تكون مكتوبة بلغة مفهومة، مع تحديد الديون والحقوق والأعمال الخيرية بدقة.
2. وجود شهود عدول:
ينبغي أن يشهد على الوصية شاهدان مسلمان عدلان، لضمان مصداقيتها.
3. تسجيلها لدى الجهات الرسمية:
يُفضل توثيق الوصية لدى الجهات الحكومية المعنية (مثل المحاكم الشرعية أو كاتب العدل) لضمان تنفيذها قانونيًا.
4. الاحتفاظ بنسخ محدثة:
يُفضل الاحتفاظ بنسخ من الوصية في مكان آمن، مع إعلام أحد الأقارب أو المسؤولين عنها بمكانها.
أفكار إضافية لتعزيز الوصية الشرعية
1. تخصيص جزء من الوصية للصدقة الجارية:
مثل وقف عقار لبناء مدرسة أو دعم مشاريع تنموية تفيد المجتمع.
2. إدراج وصايا أخلاقية:
توجيه الأبناء والأقارب نحو قيم التعاون والتسامح، وتعزيز العلاقات الأسرية.
3. تخصيص وصية لتسوية النزاعات:
يمكن أن تشمل الوصية نصًا يحث الورثة على حل الخلافات وديًا، دون اللجوء إلى النزاعات القضائية.
4. استخدام التقنية:
يمكن إعداد الوصية بطريقة إلكترونية باستخدام تطبيقات موثوقة تتيح تحديثها بمرور الوقت، مع ضمان أمان البيانات.
5. تنبيه الورثة إلى الشريعة:
يُفضل توضيح أهمية توزيع التركة وفقًا للشريعة الإسلامية، وتوجيه الورثة إلى الالتزام بتعاليم الإسلام في هذا الأمر.
الوصية الشرعية ليست مجرد وثيقة قانونية، بل هي تعبير عن الإيمان والحرص على ترك أثر طيب في الحياة وبعد الممات. تُمكن الإنسان من تسوية حقوقه، وتعزيز الخير في أسرته ومجتمعه، وتنظيم حياته بطريقة تُرضي الله عز وجل. لذا، فإن المبادرة بكتابتها وتوثيقها تُعد من أفضل الأعمال التي تؤمن الحقوق وتعزز الاستقرار الأسري والاجتماعي.
نسقه وأعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي