في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها قطاع التعليم حول العالم، برز التعليم عن بعد كأحد الركائز الأساسية لاستمرارية التعلم، خاصة في ظل التحديات العالمية مثل جائحة كورونا. وفي المملكة العربية السعودية، لعب التعليم عن بعد دورًا بارزًا في تحقيق استمرارية التعليم، مدعومًا برؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى التحول الرقمي في كافة القطاعات. لكن نجاح هذه التجربة لم يكن ممكنًا دون الدور المحوري للأهل، الذين أصبحوا الركيزة الأساسية لنجاح الطلاب في هذه المرحلة.
الأهل: شريك رئيسي في منظومة التعليم عن بعد
الأهل ليسوا مجرد داعمين لرحلة التعليم، بل هم ركيزة أساسية تمكن الطالب من التكيف مع متطلبات التعلم الرقمي. في التعليم عن بعد، يلعب الأهل دورًا مزدوجًا: فهم مراقبون لتقدم أبنائهم ومدربون على تقنيات التعليم الحديثة. بدون هذا الدعم، قد يصبح التعلم عن بعد تحديًا مرهقًا للطلاب.
أدوار الأهل في دعم التعليم عن بعد
1. توفير البيئة المناسبة للتعلم
تبدأ رحلة دعم الأهل من خلال توفير بيئة منزلية مناسبة، هادئة وخالية من المشتتات، تمكن الطلاب من التركيز والانخراط الكامل في دروسهم.
2. تعزيز المهارات التكنولوجية
في عصر التعليم الرقمي، أصبح من الضروري أن يمتلك الأهل معرفة أساسية بالتقنيات الحديثة، سواء كانت منصات التعلم الإلكتروني أو تطبيقات التواصل. تعليم الأطفال كيفية استخدام هذه الأدوات بكفاءة يُسهم في تسهيل تجربتهم التعليمية.
3. التشجيع والتحفيز
يلعب الأهل دورًا نفسيًا كبيرًا في تحفيز الطلاب وتعزيز شعورهم بالمسؤولية تجاه التعليم. الكلمات الإيجابية والتحفيز المستمر يُساعدان الطلاب على مواجهة التحديات بثقة.
4. المتابعة المنتظمة
المتابعة اليومية لأداء الطلاب، سواء من خلال مراجعة المهام أو حضور الاجتماعات الافتراضية مع المعلمين، تُظهر اهتمام الأهل وتُحفّز الطلاب على الالتزام بمسؤولياتهم.
5. إدارة الوقت
يُساعد الأهل الطلاب في تنظيم وقتهم بشكل فعال من خلال وضع جداول دراسية متوازنة تشمل فترات للتعلم، الراحة، والأنشطة الترفيهية، مما يعزز إنتاجيتهم.
دور الأهل في بناء الانضباط الذاتي لدى الطلاب
التعليم عن بعد يعتمد بشكل كبير على الانضباط الذاتي، وهو تحدٍ يواجه العديد من الطلاب. هنا يأتي دور الأهل في تعليم أبنائهم كيفية تحمل المسؤولية، وإدارة المهام، والالتزام بالمواعيد النهائية. من خلال التوجيه والمتابعة، يمكن للأهل مساعدة الطلاب على تطوير هذه المهارة الحيوية.
التحديات التي يواجهها الأهل في دعم التعليم عن بعد
1. التحديات التقنية
يجد بعض الأهل صعوبة في التعامل مع التقنيات الحديثة أو المنصات التعليمية، مما قد يعيق قدرتهم على مساعدة أبنائهم.
2. ضغط المسؤوليات
الجمع بين العمل ومتابعة الأبناء قد يكون مرهقًا، خاصة في الأسر التي تضم عدة طلاب بمراحل تعليمية مختلفة.
3. نقص الموارد
في بعض الأحيان، قد تفتقر بعض الأسر إلى الموارد التقنية مثل أجهزة الكمبيوتر أو اتصال إنترنت مستقر، مما يؤثر على جودة التعليم.
طرق التغلب على التحديات
1. تعلم التقنيات الحديثة:
يمكن للأهل حضور ورش عمل أو دورات تعليمية قصيرة لفهم كيفية استخدام منصات التعليم عن بعد.
2. التواصل مع المعلمين:
بناء علاقة تواصل مستمرة مع المعلمين يساعد الأهل على فهم التحديات التي يواجهها الطلاب وكيفية التغلب عليها.
3. إشراك الطلاب في المسؤولية:
تشجيع الطلاب على تحمل المسؤولية عن تعلمهم، مع تقديم الإرشاد عند الحاجة، يخفف العبء عن الأهل.
4. الاستفادة من الدعم الحكومي:
توفر الحكومة السعودية برامج ومبادرات لدعم التعليم عن بعد، مثل منصة “مدرستي”، التي تقدم أدوات تعليمية متكاملة.
الأهل والتعليم عن بعد: استثمار في المستقبل
دور الأهل في التعليم عن بعد يتجاوز مجرد دعم الطلاب، فهو استثمار في مستقبل الأجيال القادمة. من خلال غرس قيم الالتزام، المسؤولية، والانضباط، يسهم الأهل في إعداد جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة ومرونة.
في المملكة العربية السعودية، حيث تسعى رؤية 2030 إلى بناء مجتمع قائم على المعرفة والابتكار، يُعد دعم الأهل للتعليم عن بعد عاملًا حاسمًا في تحقيق هذه الأهداف. ومع استمرار التقدم التقني، فإن العلاقة بين الأهل والتعليم ستظل محورًا أساسيًا لضمان نجاح التجربة التعليمية.
دور الأهل في دعم التعليم عن بعد يتجاوز المساعدة المباشرة في المهام الدراسية، فهو يتضمن بناء شخصية الطالب وتعزيز مهاراته التكنولوجية والاجتماعية. في السعودية، كان هذا الدور حيويًا في نجاح التحول إلى التعليم الرقمي، حيث أثبت الأهل أنهم العمود الفقري لاستمرارية العملية التعليمية في أصعب الظروف.
مع تطور التكنولوجيا وزيادة الاعتماد على التعليم عن بعد، يبقى دور الأهل ضروريًا لتمكين الطلاب من تحقيق إمكانياتهم الكاملة. إن هذا الالتزام والدعم يمثلان استثمارًا طويل الأمد في مستقبل السعودية وأبنائها.
نسقه واعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي