مقالات وقضايا

صلاة الضحى كنز مفقود

صلاة الضحى من النوافل العظيمة التي يغفل عنها الكثير من المسلمين، رغم ما ورد في فضلها وحكمتها من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين. إنها عبادة تزيد من قرب العبد إلى الله وتفتح أبواب الخير والبركة في يومه. في هذا المقال، نستعرض الحكمة من صلاة الضحى، عدد ركعاتها، وقتها المثالي، فضلها، والأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين والعلماء حولها.

الحكمة من صلاة الضحى

1. التقرب إلى الله:

صلاة الضحى فرصة لتعزيز الصلة بين العبد وربه خارج الفروض اليومية.

2. شكر النعم:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى” (رواه مسلم).

الركعتان في الضحى تعبر عن شكر الله على نعمة الجسد وصحته.

3. استمرارية العبادة:

صلاة الضحى تذكير مستمر بذكر الله طوال اليوم، خاصة بعد انشغال الإنسان بمهام الحياة اليومية.

4. الإعانة على الرزق:

صلاة الضحى تُفتح بها أبواب الرزق وتُبارك فيها السعي والعمل.

سبب تسميتها بصلاة الضحى

سميت بصلاة الضحى لأنها تؤدى في وقت الضحى، وهو الوقت الذي يكون فيه ارتفاع الشمس في السماء واضحًا بعد الشروق. وفي اللغة، الضحى يشير إلى الوقت الممتد بين شروق الشمس وظهيرة النهار.

عدد ركعات صلاة الضحى

• أقل عدد ركعات لصلاة الضحى: ركعتان.

• أكثر عدد ركعات: ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثماني ركعات أحيانًا (رواه مسلم)، ولم يحدد حدًا أقصى.

• الأفضل أن يصلي المسلم قدر استطاعته، ويمكن أن تكون أربع أو ست أو ثماني ركعات حسب ما يتيسر.

وقت صلاة الضحى المثالي

• بداية وقتها: يبدأ وقت صلاة الضحى بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، أي حوالي 15-20 دقيقة بعد شروق الشمس.

• نهايتها: ينتهي وقتها قبيل أذان الظهر بنحو 10-15 دقيقة.

• أفضل وقت لأدائها:

• يُستحب تأخيرها إلى الوقت الذي يشتد فيه الحر وترتفع الشمس في السماء، استنادًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:

“صلاة الأوابين حين ترمض الفصال” (رواه مسلم)، أي عندما تشتد حرارة الشمس.

فضل صلاة الضحى في السنة النبوية

1. تُغني عن الصدقات اليومية:

كما في الحديث الشريف:

“يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة… ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى” (رواه مسلم).

2. وصية النبي صلى الله عليه وسلم:

أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه قائلاً:

“أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام” (رواه البخاري ومسلم).

3. ثواب عظيم:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“من صلى الضحى أربعًا، وقبل الأولى أربعًا، بني له بيت في الجنة” (رواه الطبراني).

4. صلاة الأوابين:

أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الضحى اسم “صلاة الأوابين”، في إشارة إلى أن من يداوم عليها من عباد الله كثيري الرجوع إليه.

معنى الأوابين

الأوابين جمع كلمة أواب، وهي صفة تطلق على الشخص كثير الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة والاستغفار، والمواظبة على طاعته وعبادته. أصل الكلمة من الفعل “آب”، أي رجع، ويقال: “آب إلى الله” أي رجع إليه بعد ذنوب أو تقصير.

دلالة الأوابين في النصوص الشرعية

1. في القرآن الكريم:

ذكر الله تعالى صفة الأوابين في سياقات متعددة، منها قوله تعالى:

“وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ” (النجم: 37)، حيث وُصف إبراهيم عليه السلام بأنه كان أوابًا كثير الرجوع إلى الله.

2. في السنة النبوية:

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:

“صلاة الأوابين حين ترمض الفصال” (رواه مسلم).

ويُقصد بصلاة الأوابين صلاة الضحى، إذ هي من العبادات التي يتقرب بها المؤمنون الأوابون إلى الله.

صفات الأوابين

• المواظبة على التوبة والاستغفار.

• كثرة الرجوع إلى الله في السراء والضراء.

• الإقبال على الطاعات بحب وخشوع.

• الحرص على القيام بالنوافل والقربات.

الفرق بين الأواب والتائب

• التائب: هو من يرجع إلى الله بعد ارتكاب الذنوب.

• الأواب: هو الذي يكثر الرجوع إلى الله سواء كان مذنبًا أو مطيعًا، فهو دائم الذكر والتضرع إلى الله.

فضل الأوابين

صفة الأوابين تُشير إلى قرب العبد من الله، وهي من صفات الأنبياء والصالحين. المحافظة على الأعمال التي تُرضي الله، مثل صلاة الضحى، تجعل المسلم من الأوابين الذين يثني الله عليهم في الدنيا والآخرة.

ما ورد في القرآن الكريم

رغم أنه لم تذكر صلاة الضحى صراحة في القرآن الكريم، إلا أن العلماء يرون أن سورة “والضحى” تحمل دلالات عظيمة على وقت الضحى وأهميته، وأنها تدعو إلى استثمار هذا الوقت في الطاعة.

قال الله تعالى:

“وَالضُّحَىٰ. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ” (الضحى: 1-3).

أقوال الصحابة والتابعين والعلماء في فضل صلاة الضحى

1. علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

قال: “صلاة الضحى هي غنيمة عظيمة لمن حافظ عليها.”

2. ابن عباس رضي الله عنهما:

كان يقول: “إن ركعتي الضحى تسد عنك حاجاتك في يومك.”

3. الإمام النووي:

قال في “الأذكار”: “صلاة الضحى من أحب الصلوات بعد الفريضة، لما ورد من فضلها.”

4. الحسن البصري رحمه الله:

قال: “إن صلاة الضحى مفتاح للرزق وبركة في الوقت.”

5. ابن القيم رحمه الله:

ذكر أن صلاة الضحى من أحب الأعمال للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يداوم عليها ويحث الصحابة على ذلك.

تجارب السلف في المداومة على صلاة الضحى

1. داود الطائي:

كان يحرص على صلاة الضحى يوميًا، ويقول إنها “وقتي المفضل لشكر الله على نعمه.”

2. أم الدرداء رضي الله عنها:

كانت تصلي الضحى باستمرار وتقول: “صلاة الضحى تغنيني عن كثير من الدنيا.”

3. الإمام أحمد بن حنبل:

كان يصلي الضحى، ويحث أبناءه وتلاميذه على المداومة عليها لأنها تزيد من البركة في الرزق.

التجارب المعاصرة

• كثير من الناس الذين يحافظون على صلاة الضحى يشهدون بأنها كانت سببًا في تيسير أمور حياتهم وزيادة بركتها.

• وردت قصص عن أناس وجدوا في المحافظة على هذه الصلاة راحة نفسية وسكينة داخلية.

الختام

صلاة الضحى هي “الكنز المفقود” الذي ينبغي للمسلم أن يعيد اكتشافه. هي عبادة سهلة، وقتها واسع، وأجرها عظيم. هي شكر لله على نعمه، وتقرب منه، وبركة في اليوم والرزق. فلنحرص على أدائها يوميًا، ونجعلها جزءًا من حياتنا، اقتداءً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعًا لنهج الصحابة والتابعين.

نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا من الأوابين المحافظين على هذه الصلاة المباركة.

نسقه وأعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي

اترك رد

WhatsApp chat