أصل العبارة
عبارة “غيّروا عتّابكم تُرزقون” ليست حديثًا نبويًا، ولا أصل لها في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة. يُعتقد أنها من أقوال الناس التي تناقلتها الألسن، مستندة إلى التجربة الاجتماعية والموروث الشعبي. وقد انتشرت في بعض المجتمعات الإسلامية، خاصة في البيئات التي تعتقد أن الاهتمام بالمظهر والنظافة مرتبط بجلب البركة والرزق.
معنى العبارة
المقصود بالعبارة هو: “غيّروا حال أبوابكم أو مداخل بيوتكم، سواء بالتنظيف، أو التزيين، أو الإصلاح، كي يأتيكم الخير والرزق.” ويمكن فهمها مجازًا بمعنى أعمق، يشير إلى أهمية التجديد والتغيير الإيجابي في حياة الإنسان عمومًا لجلب الخير والبركة.
رابط العبارة بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام
يمكن استحضار قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حين أمر ابنه إسماعيل بتغيير عتبة بيته كتشبيه قريب لمعنى العبارة. ورد في السيرة النبوية وقصص الأنبياء أن إبراهيم عليه السلام كان يزور ابنه إسماعيل بين الحين والآخر بعدما تركه في مكة بأمر الله. وفي إحدى الزيارات، لم يجد إسماعيل في البيت، بل وجد زوجته.
فسألها عن حالهم ومعيشتهم، فأجابته بشكوى وتذمر، فقال لها إبراهيم: “إذا جاء إسماعيل فأقرئيه مني السلام، وقولي له: يغيّر عتبة بابه.”
عندما عاد إسماعيل، وأخبرته زوجته بما حدث، قال: “هذا أبي، وقد أمرني أن أطلقك.” ففعل وتركها.
بعد ذلك تزوج إسماعيل من امرأة أخرى. وعندما زار إبراهيم مكة مرة أخرى، وجد زوجة إسماعيل الجديدة. فسألها عن أحوالهم، فأجابت بحمد الله وذكرت النعم التي يعيشون فيها. فقال لها إبراهيم: “إذا جاء إسماعيل، فأقرئيه مني السلام، وقولي له: يثبّت عتبة بابه.”
عندما عاد إسماعيل، وأخبرته زوجته، قال: “هذا أبي، وقد أمرني أن أبقيك.”
الربط بالعبارة “غيّروا عتّابكم تُرزقون”:
القصة تعطي مثالًا عن التغيير في الحياة، سواء بتبديل الأشخاص أو التجديد في العلاقات أو البيئة المحيطة، مما يمكن أن يكون سببًا في تحسن الأحوال وجلب البركة والرزق. ومع ذلك، فإن القصة تشير إلى أهمية حسن المعاشرة والشكر على النعم، وليس مجرد التغيير المادي للأعتاب.
قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام المتعلقة بتغيير “عتبة الباب” وردت في الروايات الإسرائيلية وبعض كتب التاريخ والتفسير، ولكنها ليست من الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذه القصة تُذكر عادة في سياق قصص الأنبياء لتوضيح حكم ومواعظ مرتبطة بسيدنا إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل.
الكتب التي وردت فيها القصة:
1. تفسير ابن كثير
• وردت القصة في تفسيره عند الحديث عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، لكن ابن كثير يشير إلى أنها مأخوذة من الإسرائيليات.
2. كتاب “قصص الأنبياء” لابن كثير
• ذكر ابن كثير القصة مع توضيح أنها من الأخبار المروية عن بني إسرائيل.
3. الطبري في تفسيره
• سرد القصة ضمن الروايات المأثورة عن الأنبياء، وذكر أنها من الأخبار الإسرائيلية التي ليست لها أسانيد شرعية قوية.
4. الكامل في التاريخ لابن الأثير
• أورد القصة ضمن الأحداث التاريخية المروية عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
من ذكرها:
• معظم من ذكر القصة اعتمد على الإسرائيليات، وهي روايات نقلها بعض الصحابة من أهل الكتاب بعد إسلامهم، مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه. وقد أُخذت هذه الروايات على سبيل الاستئناس، مع التنبيه إلى أنها ليست من مصادر الشريعة الإسلامية.
التحقق من صحتها:
• القصة ليست من الروايات الموثوقة في الإسلام، لأنها لم ترد في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، وإنما هي من قبيل القصص التي يجوز ذكرها للعبرة دون الجزم بصحتها.
سبب العبارة وانتشارها
ترتبط العبارة بالعادات الاجتماعية القديمة، خاصة في المناطق الريفية، حيث يعتقد الناس أن النظافة والتجديد في المنازل تجلب البركة والخير. وقد يكون أصلها نابعًا من الترغيب في تحسين الظروف المعيشية والبيئة المحيطة.
أقوال العلماء في العبارة
1. العلماء الذين رفضوا العبارة جملةً وتفصيلًا:
• رأى بعض العلماء أن العبارة قد تحمل شبهة التطيّر (الاعتقاد بأن أفعالًا معينة تجلب الرزق)، وهو ما ينافي التوحيد. واستدلوا بقول الله تعالى:
“وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ” (الذاريات: 22).
• وأيضًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:
“لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا.”
(رواه الترمذي).
2. العلماء الذين فسروا العبارة في سياقها الاجتماعي:
• ذهب آخرون إلى أن العبارة تعكس تجربة اجتماعية تدعو إلى النظافة، الترتيب، وتجديد الأحوال كجزء من العمل بالأسباب لجلب الخير.
• لكنهم شددوا على أن الرزق بيد الله وحده، والعمل بالأسباب لا يعني الاعتقاد بأن تغيير المظاهر هو سبب مباشر للرزق.
3. القول الراجح:
• العبارة ليست نصًا شرعيًا، وبالتالي لا يجوز الاعتقاد بها كسبب لجلب الرزق. ومع ذلك، فإن تحسين الظروف، سواء في البيت أو العلاقات، قد يكون من الأسباب التي قدّرها الله لزيادة البركة.
الخلاصة
عبارة “غيّروا عتّابكم تُرزقون” هي من الأقوال الشعبية التي تحمل معنىً يدعو إلى التغيير الإيجابي والتنظيف والترتيب. وتُربط بالقصة الواردة عن سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما استخدم عتبة الباب كرمز لتحسين الحال أو إبقائها.
لكن يجب أن نتذكر أن الرزق بيد الله وحده، والعمل بالأسباب جزء من التوكل عليه. النظافة والتغيير قد يجلبان الرزق بشكل غير مباشر، لكن الاعتقاد بأن هذه الأعمال وحدها هي السبب يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة.
نسقه وأعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي