مقالات وقضايا

فضل سورة الواقعة بين الحقيقة والاعتقاد الشائع

سورة الواقعة من السور العظيمة في القرآن الكريم التي تحمل مواعظ ودروسًا عن أحوال يوم القيامة وأهمية التوحيد والإيمان بالآخرة. وقد شاع بين الناس اعتقاد بأن قراءتها تجلب الرزق وتمنع الفقر، استنادًا إلى حديث يُنسب للنبي ﷺ: “من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً”. إلا أن هذا الحديث ضعيف الإسناد، مما دفع العلماء إلى توضيح المسألة بشكل دقيق.

الأحاديث الواردة عن سورة الواقعة

الأحاديث التي تربط سورة الواقعة بجلب الرزق أو دفع الفقر ضعيفة أو لا تصح عن النبي ﷺ. ومن أبرز هذه الأحاديث ما رواه إسماعيل بن عبد الملك، الذي اتفق العلماء على ضعفه. لذلك، لا يُبنى عليها عمل أو اعتقاد. وقد أكد العلماء أن تخصيص سورة معينة بفضل محدد يجب أن يكون بدليل صحيح من القرآن الكريم أو السنة النبوية الثابتة.

أقوال العلماء في فضل سورة الواقعة

1. ابن كثير:

• في تفسيره، لم يذكر أي فضل خاص لسورة الواقعة يتعلق بجلب الرزق، وإنما ركّز على مواعظها المتعلقة بالآخرة وأهوالها.

2. الإمام النووي:

• لم يُثبت في كتبه المعتمدة (مثل الأذكار) أي فضل خاص لسورة الواقعة في الرزق، مما يدل على عدم صحة الأحاديث المرتبطة بهذا الاعتقاد.

3. ابن حجر العسقلاني:

• أكد ضعف الحديث المتعلق بفضل سورة الواقعة في جلب الرزق ومنع الفقر، وبيّن أن الحديث ضعيف الإسناد ولا يُعتمد عليه.

4. الشوكاني:

• في كتابه فتح القدير، أوضح أن قراءة القرآن عمومًا تُبارك حياة المسلم، لكن تخصيص سورة الواقعة بهذا الفضل لا أصل له في الشريعة.

5. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:

• ذكرت أن جميع الأحاديث التي تربط سورة الواقعة بالرزق ضعيفة الإسناد. وأكدت أن التوكل على الله والعمل الصالح والتقوى هي الأسباب الشرعية لجلب الرزق.

6. العلامة الألباني:

• صنف الحديث المتعلق بسورة الواقعة ضمن الأحاديث الضعيفة في كتابه ضعيف الجامع الصغير، وأوضح أنه لا يجوز الاعتماد على هذه الأحاديث أو نشرها.

القرآن الكريم مصدر للبركة والخير

على الرغم من ضعف الأحاديث المتعلقة بسورة الواقعة وجلب الرزق، فإن قراءة القرآن الكريم عمومًا تجلب البركة والهداية في حياة المسلم. وقد قال الله تعالى: “وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون” (الأنعام: 155). قراءة القرآن بتدبر، والعمل بتعاليمه، والتقرب إلى الله بالدعاء، كلها أسباب لجلب الرزق وتيسير الأمور.

الأسباب الشرعية لجلب الرزق

الرزق بيد الله وحده، ولا يُطلب إلا منه بالدعاء والعمل والتوكل. ومن الأسباب الشرعية لجلب الرزق:

1. التقوى: قال الله تعالى: “ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب” (الطلاق: 2-3).

2. الاستغفار: قال تعالى: “فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين” (نوح: 10-12).

3. صلة الرحم: كما قال النبي ﷺ: “من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه” (رواه البخاري ومسلم).

الخلاصة

لا يوجد دليل شرعي صحيح يثبت أن قراءة سورة الواقعة تجلب الرزق أو تمنع الفقر. ومع ذلك، فإن قراءة القرآن عمومًا تُبارك حياة المسلم وتزيد من الطمأنينة والسكينة. وينبغي للمسلم أن يعتمد على الله بالدعاء والعمل الصالح والتقوى، مسترشدًا بقوله تعالى: “وفي السماء رزقكم وما توعدون” (الذاريات: 22).

نسقه وأعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي

اترك رد

WhatsApp chat