مقالات وقضايا

مواضع وأوقات إجابة الدعاء

الدعاء هو أعظم العبادات القلبية التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو صلة بين العبد وخالقه. في الدعاء إظهار للفقر إلى الله، واليقين بأنه القادر على تحقيق الحاجات. وقد وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مواضع وأوقات يُستحب فيها الدعاء ويُرجى فيها الإجابة، كما نقلت لنا آثار وتجارب السلف الكثير من العبر والدروس عن الدعاء وأهميته وأسرار استجابته.

مواضع وأوقات إجابة الدعاء في القرآن الكريم

1. وقت السجود:

قال الله تعالى:

“وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ” (العلق: 19).

السجود هو لحظة قريبة من الله تعالى، حيث يكون العبد خاضعًا ومتواضعًا، وهذا ما يجعل الدعاء فيه مستجابًا.

2. دعاء المضطر:

قال تعالى:

“أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ” (النمل: 62).

الله يستجيب دعاء المضطر عندما يلجأ إليه بقلب صادق.

3. الدعاء بأسماء الله الحسنى:

قال تعالى:

“وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا” (الأعراف: 180).

التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى من أسباب استجابة الدعاء.

4. الدعاء في الخفاء:

قال الله عز وجل:

“ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً” (الأعراف: 55).

الإخلاص والتضرع في الدعاء بعيدًا عن أعين الناس يعكس صدق العبد مع ربه.

مواضع وأوقات إجابة الدعاء في السنة النبوية

1. في الثلث الأخير من الليل:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟” (رواه البخاري ومسلم).

هذا الوقت من أفضل الأوقات للدعاء، حيث ينزل الله برحمته لمن يناجيه.

2. بين الأذان والإقامة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة” (رواه الترمذي).

وقت الأذان من أوقات الرحمة والبركة.

3. عند السجود:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء” (رواه مسلم).

السجود هو وقت التذلل لله، مما يجعله من أكثر الأوقات استجابة للدعاء.

4. عند الإفطار للصائم:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد” (رواه ابن ماجه).

الدعاء عند الإفطار محاط برحمة الله وفضله.

5. في يوم الجمعة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه” (رواه البخاري ومسلم).

ورُجّح أنها آخر ساعة من عصر الجمعة.

6. عند نزول المطر:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث” (رواه الشافعي).

المطر رحمة من الله، وهو وقت يُستحب فيه الدعاء.

7. دعوة المظلوم:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تُرفع فوق الغمام، ويقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين” (رواه الطبراني).

دعوة المظلوم مستجابة بلا شك.

8. عند الكعبة المشرفة:

الدعاء في المسجد الحرام وأمام الكعبة المشرفة من أعظم المواضع التي يُرجى فيها استجابة الدعاء.

شروط وآداب الدعاء المستجاب

1. الإخلاص في الدعاء:

الدعاء يجب أن يكون خالصًا لله وحده، بعيدًا عن الرياء.

2. حضور القلب:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ” (رواه الترمذي).

يجب أن يكون القلب حاضرًا ومؤمنًا بقدرة الله.

3. اليقين بالإجابة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة” (رواه الترمذي).

حسن الظن بالله شرط مهم لاستجابة الدعاء.

4. تجنب الحرام:

الدعاء قد يُرد بسبب الحرام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، فأنى يُستجاب له؟” (رواه مسلم).

5. البدء بحمد الله والصلاة على النبي:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم” (رواه الطبراني).

6. الإلحاح وعدم الاستعجال:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي” (رواه البخاري).

آثار وتجارب السلف الصالح في الدعاء

1. إلحاح إبراهيم بن أدهم:

عندما سُئل: لماذا لا تُستجاب دعواتنا؟ أجاب:

“لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء…”

ومنها الانشغال بالدنيا ونسيان الآخرة.

2. دعاء الإمام الشافعي:

كان يقول: “من أدمن قرع الباب أوشك أن يُفتح له.”

وهذا دليل على أهمية الإلحاح والثقة بالله.

3. بركة دعاء الوالدين:

يُروى عن الإمام مالك أن أمه كانت تدعو له قائلة:

“اللهم اجعله إمامًا في الدين.”

فكان دعاؤها سببًا في بركة علمه ومكانته.

4. قيام الليل:

الحسن البصري كان يقول:

“لم نجد عبادة أنفع للدعاء من قيام الليل.”

السلف كانوا يتحرون قيام الليل للدعاء والاستغفار.

نماذج من الأدعية المأثورة

1. دعاء الكرب:

“لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.”

دعوة نبي الله يونس عليه السلام.

2. دعاء قضاء الحاجة:

“اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.”

3. دعاء في ليلة القدر:

“اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.”

كما علم النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة.

الدعاء هو أداة المؤمن التي يواجه بها مشكلاته، وهو صلته المباشرة بالله دون وسيط. بتحري الأوقات الشريفة، والالتزام بشروط وآداب الدعاء، والإلحاح فيه، واليقين بالإجابة، يحقق الله لعباده ما يريدون. نسأل الله أن يجعلنا ممن يستجاب دعاؤهم، وأن يرزقنا الإخلاص واليقين في كل كلمة نرفعها إلى السماء.

نسقه وأعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي

اترك رد

WhatsApp chat