اللعن في الإسلام ليس أمرًا يُستخدم بشكل عشوائي أو يُطلق لأسباب شخصية، بل هو حكم شرعي يعبر عن استحقاق معين للعذاب أو البُعد عن رحمة الله سبحانه وتعالى. ورد ذكر اللعن في القرآن الكريم والسنة النبوية كوسيلة تربوية وشرعية لتحذير الناس من أفعال وسلوكيات محددة تهدد استقامة الفرد والمجتمع. في هذا المقال، سنستعرض من هم الملعونون كما جاء في النصوص الشرعية، مع التأكيد على ضرورة فهم السياق والغاية من ذكر اللعن في الإسلام.
اللعن في القرآن الكريم: معانيه ودلالاته
1. تعريف اللعن في اللغة والشرع
• في اللغة: اللعن يعني الطرد والإبعاد.
• في الشرع: اللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى واستحقاق العذاب.
2. الملعونون في القرآن الكريم
ورد ذكر اللعن في القرآن الكريم في سياقات متعددة، منها:
• إبليس:
قال الله تعالى:
“وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ” (ص: 78).
إبليس هو أول من لُعن في القرآن بسبب عصيانه لأمر الله بالسجود لآدم عليه السلام.
• الكاذبون على الله:
“فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُوْلَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ…” (الأعراف: 37).
• الظالمون:
“أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ” (هود: 18).
الظلم من أعظم الكبائر التي تستحق اللعن في القرآن الكريم.
• اليهود المحرفون للتوراة:
قال الله تعالى:
“لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ…” (المائدة: 78).
الملعونون في السنة النبوية
1. أنواع الملعونين في السنة
• الواشمة والمستوشمة والمتفلجات للحسن:
قال النبي ﷺ:
“لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ” (متفق عليه).
هذه الأفعال تتعلق بتغيير خلق الله لغير ضرورة.
• الراشي والمرتشي:
قال رسول الله ﷺ:
“لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ” (رواه الترمذي).
الرشوة تفسد العدالة وتدمر المجتمعات.
• أكل الربا:
قال النبي ﷺ:
“لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَكَاتِبَهُ” (رواه مسلم).
• المحلِّل والمحلَّل له:
قال النبي ﷺ:
“لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ” (رواه أبو داود).
المحلل هو الشخص الذي يعقد زواجًا صوريًا لتحليل المرأة لزوجها السابق، وهو أمر محرم شرعًا.
• صانعو الفتنة في المجتمع:
قال رسول الله ﷺ:
“لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَوَى مُحْدِثًا” (رواه البخاري).
وهذا يشمل من يدعم المفسدين أو يحميهم.
2. التحذير من إطلاق اللعن بلا سبب شرعي
حذر النبي ﷺ من استخدام اللعن كوسيلة للإيذاء الشخصي، وقال:
“لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا لَعَّانٍ، وَلَا فَاحِشٍ، وَلَا بَذِيءٍ” (رواه الترمذي).
العمق: الحكمة من اللعن في الإسلام
1. التربية والتحذير
• الهدف من اللعن هو تحذير الناس من أفعال معينة تؤدي إلى الفساد الشخصي أو المجتمعي.
2. حماية المجتمع
• اللعن للأفعال مثل الرشوة والربا يهدف إلى منع الظلم وحماية العدالة.
3. بيان أهمية الطاعة لله ورسوله
• لعن إبليس كان بسبب عصيانه لأمر الله، وهو درس للبشر بأهمية الطاعة والامتثال لأوامر الله.
مقترحات لفهم النصوص المتعلقة باللعن
1. التعليم والتوعية
• نشر الوعي حول سياق وأسباب اللعن في القرآن والسنة لتجنب سوء الفهم.
2. التحذير من التسرع في اللعن
• التأكيد على أن اللعن حكم شرعي لا يصدر إلا بأدلة واضحة وصحيحة.
3. تعزيز الأخلاق في التعامل
• التركيز على إصلاح السلوكيات الخاطئة بدلًا من الإكثار من اللعن.
اللعن في القرآن الكريم والسنة النبوية أداة تشريعية تهدف إلى حماية المجتمع من الفساد والانحراف. يجب فهم هذه النصوص في سياقها الشرعي الصحيح، مع التأكيد على أن الإسلام دين الرحمة والتوبة، وأن الله سبحانه وتعالى يفتح باب التوبة لكل من ابتعد عن طريق الحق. إن دراسة هذه النصوص تساهم في تعزيز القيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية التي يسعى الإسلام إلى تحقيقها في المجتمعات.
نسقه واعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي
