موانع العقوبة في الشريعة الإسلامية والقانون هي موضوع ذو أهمية كبيرة في النظام القضائي والتشريعي، حيث تهدف إلى تحقيق العدالة والإنصاف، ومنع الظلم أو تطبيق العقوبة على من لا يستحقها. تتجلى موانع العقوبة في أسباب أو ظروف تمنع تنفيذ العقوبة على الشخص المُدان. يتناول هذا الموضوع الجوانب الشرعية والقانونية بشكل مفصّل.
أولاً: موانع العقوبة في الشريعة الإسلامية
في الشريعة الإسلامية، تقوم موانع العقوبة على تحقيق التوازن بين العدل والرحمة، وتقوم على أسس من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال العلماء.
1. الإكراه
• التعريف: هو إجبار الشخص على فعل محرم تحت التهديد بأذى جسيم أو موت.
• الدليل الشرعي: قوله تعالى: “إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالْإِيمَانِ” (النحل: 106).
• القاعدة الفقهية: “الإكراه يرفع المسؤولية”، ويشترط أن يكون الإكراه ملجئًا (كالتهديد بالموت أو الضرر البالغ).
• أقوال العلماء:
• الشافعي: “من أُجبر على فعل شيء قبيح تحت التهديد، فلا عقوبة عليه ما دام الإكراه قائمًا”.
• الحنفية: “الإكراه الملجئ يسقط العقوبة في الحدود والقصاص”.
2. الجهل
• التعريف: هو عدم العلم بالتحريم أو الإلزام الشرعي.
• الدليل الشرعي: قوله تعالى: “وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا” (الإسراء: 15).
• الأمثلة:
• شخص حديث عهد بالإسلام يرتكب مخالفة شرعية دون علمه بتحريمها.
• شروط اعتبار الجهل: أن يكون جهلًا حقيقيًا وليس ناتجًا عن إهمال أو تعمد.
3. الصغر (عدم البلوغ)
• التعريف: الأطفال دون سن البلوغ غير مسؤولين جنائيًا في الإسلام.
• الدليل الشرعي: حديث النبي ﷺ: “رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل”.
• التطبيق: تُعتبر أفعال الصغار غير موجبة للعقوبة، لكن يُوجّهون تربويًا.
4. الجنون وفقدان الإدراك
• التعريف: غياب العقل أو فقدان الإدراك الذي يجعل الشخص غير واعٍ بأفعاله.
• الدليل الشرعي: نفس الحديث السابق عن رفع القلم عن المجنون.
• أقوال العلماء:
• المالكية: “لا يُؤاخذ المجنون بأي فعل يصدر منه في حالة غيابه عن وعيه”.
5. الشبهة
• التعريف: وجود التباس في الأدلة أو عدم اليقين.
• الدليل الشرعي: حديث النبي ﷺ: “ادرؤوا الحدود بالشبهات”.
• التطبيق: إذا وُجدت شبهة في الجريمة أو في المسؤولية، فإن العقوبة تُدرأ.
6. التوبة النصوح قبل القبض
• التعريف: إذا تاب الشخص عن جريمته قبل القبض عليه، فإن العقوبة تسقط.
• الدليل الشرعي: قوله تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (المائدة: 34).
• التطبيق: تُعتبر هذه المانعة خاصة في الحدود مثل السرقة والحرابة.
ثانيًا: موانع العقوبة في القانون
في القوانين الوضعية، تُعتمد موانع العقوبة بناءً على قواعد العدالة والإنصاف، وتختلف بين الدول. تشمل أهم الموانع:
1. الإكراه
• القانون يعفي الشخص من المسؤولية الجنائية إذا أُجبر على الفعل تحت تهديد جاد ومؤثر على حياته أو سلامته.
2. عدم الأهلية القانونية
• الأطفال دون سن المسؤولية القانونية معفون من العقوبات الجنائية.
• مثال: قانون العقوبات المصري يحدد سن المسؤولية الجنائية عند 18 عامًا.
3. الجنون أو العجز العقلي
• تُعتبر حالة الجنون أو العجز العقلي مانعًا للمسؤولية الجنائية.
• يشترط إثبات الجنون من خلال التقارير الطبية.
4. الغلط أو الجهل
• إذا ثبت أن الشخص ارتكب الجريمة بسبب جهل بقانون لم يكن من الممكن أن يطّلع عليه، فقد يُعتبر ذلك مانعًا للعقوبة.
5. انتفاء القصد الجنائي
• إذا كان الفعل الذي ارتكبه المتهم خاليًا من القصد الجنائي، فإن ذلك يُسقط العقوبة.
أوجه التشابه والاختلاف بين الشريعة والقانون
المانع الشريعة الإسلامية القانون الوضعي
الإكراه يسقط العقوبة بشكل عام يسقط العقوبة مع تقييد بشروط معينة
الجهل معتبر بشروط معتبر في حالات ضيقة
الصغر غير مسؤول تمامًا مسؤولية جزئية في بعض القوانين
الجنون يسقط المسؤولية تمامًا يعتمد على إثبات طبي
الشبهة تدرأ الحدود غير معمول به دائمًا
أقوال العلماء والقانونيين
• ابن القيم: “الحدود تدرأ بالشبهات، لأن إقامة الحد مع وجود الشبهة ظلم ينافي مقاصد الشريعة”.
• القرافي: “المقصود من الحدود هو الزجر، لكن الرحمة أولى إذا وُجدت أسباب تدرأ العقوبة”.
• القانونيون: في القوانين الحديثة، تُراعى الاعتبارات الإنسانية مثل الإكراه والجهل لتحقيق التوازن بين العدالة والرحمة.
إن موانع العقوبة في الشريعة الإسلامية والقانون تعكس حرص النظامين على تحقيق العدل ومنع الظلم. ورغم وجود فروق بينهما، فإن الهدف الأساسي مشترك: حماية الإنسان من تطبيق العقوبة بغير وجه حق، سواء في الشريعة أو في القوانين الوضعية.
نسقه واعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي
