في يوم حزين سيظل محفوراً في الذاكرة، فقدت المملكة العربية السعودية والعالم العربي اليوم، في 14 نوفمبر 2024، واحداً من أبرز رموز التحدي والإلهام، الإعلامي الكبير عمار بوقس.
لم يكن عمار مجرد إعلامي أو صحفي، بل كان مثالاً حيّاً لقوة الإرادة وتحدي الإعاقة، حيث استطاع أن يحول الصعاب إلى إنجازات، ويصبح صوتاً مؤثراً يحمل رسائل الأمل والطموح لكل من يواجه تحديات في حياته. قصة عمار بوقس لم تكن حكاية نجاح عادية، بل كانت ملحمة كفاح بدأت منذ ولادته واستمرت على مدار عقود، ملهمة أجيالاً عدة وشاهدة على قوة العزيمة والتحدي.
وُلد عمار بوقس في مدينة جدة، وكان قدره أن يولد بتحدٍ كبير، حيث عانى منذ ولادته من شلل دماغي أثر على معظم جسده، ليحد من قدرته على الحركة إلا في رأسه وجزء صغير من يديه. وبالرغم من هذا التحدي الجسدي الكبير، لم يستسلم عمار يوماً لليأس، ولم يسمح لهذه الإعاقة بأن تقف في وجه أحلامه أو أن تحد من طموحه. بالعكس، كانت إعاقته دافعاً قوياً لإثبات نفسه، حيث أدرك منذ صغره أن العزيمة والإصرار هما سلاحاه الحقيقيان في مواجهة التحديات.
بدأت رحلة عمار التعليمية بشغف وإصرار، ورغم الصعوبات العديدة التي واجهته في مسيرته، تمكن من إكمال دراسته بنجاح، وحصل على شهادته الجامعية بتفوق. لم تكن الدراسة مجرد هدف بالنسبة له، بل كانت إثباتاً لنفسه وللآخرين أن الإنسان قادر على تجاوز كل العقبات مهما كانت قاسية. كانت هذه المرحلة نقطة تحول في حياة عمار، حيث بدأت قصة نجاحه الفريدة التي ألهمت الملايين وجعلت منه رمزاً للإرادة الصلبة. كانت إرادته الصلبة ملهمة لكل من حوله، وجعلته يقرر أن ينقل تجربته إلى الناس عبر الإعلام.
اختار عمار دخول مجال الإعلام ليكون صوته مسموعاً، وليصبح صوتاً للأشخاص ذوي الإعاقة ولمن هم بحاجة للأمل والتفاؤل. كان يريد أن يُحدث فرقاً، وأن يكون مثالاً يحتذى به لكل من يعاني من تحديات في حياته، حيث أصبح الإعلام منبراً ينقل من خلاله رسائله الملهمة ويشارك الآخرين قصته. كان يؤمن بأن كل إنسان لديه القدرة على إحداث تغيير في حياته وفي حياة الآخرين، وأن العقبات لا تحد من طموح الإنسان، بل قد تجعله أكثر قوة وإصراراً.
على مدار سنوات عمله الإعلامي، شارك عمار بوقس في العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، وكتب مقالات مؤثرة تعكس تجربته الشخصية وتلهم الآخرين. كانت رسائله مليئة بالأمل والصبر، وتدعو الجميع للتمسك بالأحلام والعمل بجد لتحقيقها، بغض النظر عن الصعوبات التي قد تواجههم. استطاع عمار أن يكون قدوة للعديد من الشباب الذين تعلموا منه معنى الإرادة والصبر، وأصبحوا ينظرون إليه كرمز للشجاعة والتفاؤل.
إن رحيل عمار بوقس اليوم لا يمثل فقط خسارة لإعلامي ناجح، بل خسارة لروح أضاءت دروب الآخرين بنورها وألهمتهم بقوتها، فقد كان عمار بوقس رمزاً للتحدي والصمود، وعاش حياته كرسالة حية تدعو للتمسك بالأمل وعدم الاستسلام. في عالمٍ مليء بالصعوبات والتحديات، كان عمار شمعة تنير الطريق لكل من يشعر باليأس أو العجز، وتحفزه على تجاوز محنته والنظر إلى الأمام بثقة وتفاؤل.
إن وفاة عمار بوقس ليست مجرد نهاية لحياة، بل بداية لذكرى خالدة وقصة تروي للأجيال القادمة معنى القوة الحقيقية والصمود، لقد علّمنا عمار أن الإنسان قادر على تحقيق المستحيل إذا آمن بقدراته، وأن الإرادة قد تكون أقوى من أي عائق جسدي أو نفسي. ترك عمار إرثاً كبيراً من الأمل والإلهام، وسينتقل هذا الإرث عبر الزمن ليكون شعلة تضيء درب كل من يتعرض للتحديات في حياته.
نشعر اليوم بالحزن العميق لفقدان هذا الرجل العظيم، ونتقدم بخالص العزاء لأسرته ولكل من تأثر به وبقصته. نسأل الله أن يتغمد عمار بواسع رحمته، وأن يجعل مثواه الجنة، وأن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان. سيظل عمار بوقس في قلوبنا وذاكرتنا، كنموذج للتفاؤل والإصرار، ورمزاً يحتذى به لكل من يرغب في تغيير حياته نحو الأفضل.
وداعاً عمار بوقس، وداعاً للملهم وللقلب الكبير، وداعاً لمن جعل من حياته رسالة أمل لكل من يحلم ويتحدى. رحلت عنا، لكن ذكراك ستظل خالدة، وسنبقى نروي قصتك للأجيال القادمة لتكون درساً وعبرة عن قوة الإرادة والإيمان بالحياة.
نسقه واعده الأستاذ/ ماجد بن عايد خلف العنزي